بقلم فايز فارس
مسيحيو لبنان… والعراق ومصر قلقون، وقادتهم حائرون. ومثلهم سنّة وشيعة لبنان والعراق، ناهيك عن الدروز. ولكن بالله عليكم أوليس الجميع في هذا المشرق، لا بل في هذا العالم البائس، في حالة قلق مزمنة ؟ أنا أقرأ القلق، لا بل الخوف، على وجوه رؤوساء وحكام وقادة هذا العالم من دون إستثناء أحد. من لا يشعر بالقلق، فليرفع إصبعه أو يده عالياً، لعلنا نجد لديه الوصفة السحرية التي تحميه من القلق. والقلقون عادة ينتمون إلى كل الأديان والطوائف والمجتمعات، وهم في الحقيقة أربع فئات مجتمعيّة:
– الفئة الأولى، هي الفئة الغنية بمالها والتي تقلق وتغضب لمجرد خسارة صفقة ما أو حتى لمجرد عدم الربح في عملية تجارية كانت تتوقع جني الربح الوفير منها.
– الفئة الثانية، هي الفئة الممسكة بناصية الحكم والتي تقلق لمجرد أنها تشعر بحلول متغيّرات تؤدي إلى خسارتها السلطة أو حتى إلى إضطرارها لقبول فكرة إقتسامها مع خصوم لها.
– الفئة الثالثة، هي الفئة المقاومة المحاربة التي إختارت الطريق الأصعب في عملية المواجهة من أجل التحرّر والتغيير وصولاً إلى إصلاح ما أفسده الدهريون.
– الفئة الرابعة، هي الفئة الفقيرة التي لا حول لها ولا قوة إلاّ بالله العلي القدير، والتي أكثر ما تخشاه إصابتها بمرض يحتاج إلى معاينات وعلاج طويل المدى.
الفئة الأولى لا تتردد عادة في مد يدها إلى المال العام ومن دون حياء، للتعويض عن خسارتها. لذا هي قلقة بإستمرار. والفئة الثانية تمارس كل أنواع القمع والضغط والإبتزاز والتخويف ضد كل من يتجرأ على المطالبة بحقوقه الطبيعية والمشروعة، أو يحلم بمشاركتها السلطة، أو كان يخطط لقلب النظام الفاسد…ما يجعلها في حالة قلق دائم. الفئة الثالثة تشعر بأنها هي “ملح الأرض” وأن عليها المبادرة بعزم وحزم إلى التضحية بالغالي والرخيص من أجل إتمام عملية الإنقاذ التي لم تعد تحتمل الإنتظار، ما يجعلها تقلق على غدها. الفئة الرابعة يتملكها القلق حتى باتت تائهة لا تعرف غربها من شرقها… لا حول لها ولا قوة إلا بالله العلي القدير، تنتظر الفرج الذي ضل الطريق ومنذ زمن بعيد.
الأغنياء القلقون يبددون قلقهم ولو مؤقتاً بشراء السلطة، مع معرفتهم المسبقة أنهم إلى زوال إذا ما فقدوا ولو جزئياً قدرتهم على كسب المال. والحكّام المستبدون القلقون يبددون قلقهم وإن مؤقتاً بإبتزاز الأغنياء رغم معرفتهم أن سلطتهم لن تدوم طويلاً. المقاومون للظلم والفساد يبددون قلقهم وإن مؤقتاً بتحقيق بعض الإنتصارات مع علمهم المسبق أن خيارهم هو الأصعب والأشد قساوة. الفقراء يقفون على أبواب قصور الأغنياء والحكّام المستبدين إستجداءً لمأكل أو دواء أو ملبس أو حقّ مهدور، مرددين في داخلهم أقوالاً مأثورة: “اليد اللي ما فيك عليها بوسها وإدعي عليها” و “يا ظالم إلك يوم”…!
ويبقى الحديث عن “الأقليات” الإثنية والدينيّة التي نجدها موزّعة على الفئات الأربع المذكورة أعلاه، والتي إذا ما تمكّنت من رصّ صفوفها وجمع قواها وتسخير قدراتها بطريقة فضلى، إسترعت الأنظار وحازت على إعجاب وإحترام الكبار أي “الأكثريات”. وما علينا سوى أخذ العبر والدروس من أقليات نعرفها جيداً، عنيت بها يهود العالم وأكراد العراق والجماعة الأرمينية المنتشرة في أكثر من بلد في مشرقنا العربي والعالم، على سبيل المثال لا الحصر.
وأخيراً هل تدري الأقليات القلقة على مصيرها أن الأكثريات، وبخاصة عندما تكون منقسمة على ذاتها، هي أيضاً قلقة في مواجهة أقليّات منظّمة منضبطة ومتقدّمة في عملها وسعيها من أجل مجتمع أفضل، أي متوازن متكامل متناغمن متضامن…؟
*باحث في علم الإجتماع السياسي