الرئيسية » أخبار محلية » فهد إبراهيم 13331هـ / 1912م _ 1404هـ / 1984م
وُلد فهد يوسف إبراهيم عام 1912م. في بلدة بينو / عكار من شمال لبنان وفيها تلقى علومه الأُولى باللغتين: العربية والفرنسية. عام 1928م. هاجر إلى جمهورية "هايتي" ومنها إلى جمهورية "سانتو دومينيكو" ليعمل بصبرٍ وعناء في مختلف أنواع الأعمال ولاسيما التجارية منها في هاتين

فهد إبراهيم 13331هـ / 1912م _ 1404هـ / 1984م

 

 

بقلم الدكتور محمود سليمان

وُلد فهد يوسف إبراهيم عام 1912م. في بلدة بينو / عكار من شمال لبنان وفيها تلقى علومه الأُولى باللغتين: العربية والفرنسية.

عام 1928م. هاجر إلى جمهورية “هايتي” ومنها إلى جمهورية “سانتو دومينيكو” ليعمل بصبرٍ وعناء في مختلف أنواع الأعمال ولاسيما التجارية منها في هاتين الجمهوريتين وغيرهما من الجمهوريات المجاورة. ثم نزح إلى القارة السوداء واستقر في “بمكو” من أعمال السودان الفرنسي.

رغم استغراقه في تجارة واسعة ندر فيها الفراغ، غير أنها لم تلهِِِهِِ عن المطالعة والقراءة الدائمة والتعمق في الأدبين: العربي والفرنسي، والإطلاع على الأدب الإسباني والأدبين : اللاتيني والسكسوني. حتى تحصّلت له ثقافة أدبية عالية صقلت مواهبه وملكاته الذهنية وهيَّأته ليكون مبدعاً في الكتابة الفكرية والسياسية والشعرية بما صار لديه من ثقافة عميقة في غير مجال وميدان.

خلال إقامته في جمهوريات أميركا اللاتينية قام بحركةٍ واسعة النطاق للإبقاء على جذوة الحنين والقومية والعروبة في نفوس المهاجرين العرب والمتحدرين منهم.. وفي أحاديثه الإذاعيّة وخطبه ومقالاته نادى بوجوب إنشاء مدارس عربية تلقِّن الأبناء المولودين في بلاد الإغتراب اللغةَََ العربية وتغرس في أذهانهم قبسات تراثهم وحضارتهم وتاريخهم المجيد.. ونتيجة لجهوده ومثابرته انضمَّ إليه نفر من مثقفي العرب في القارة الأميركية وكان على إتصال دائم بكل حركة قومية عربية تهدف إلى حرية الوطن العربي ووحدته وإستقلاله، ومنها: “الجامعة الوَطنية العربية” وهي مؤسسة قومية في نيويورك وكان يرأسها يومذاك المناضل الفلسطيني الدكتور فؤاد شطارة ويساندها الأديب حبيب كاتبة.. وآخرون كثر من المشتغلين والناشطين في خدمة القضايا العربية.

والواقع فإن الشعور القومي نما في نفس فهد إبراهيم وتتطور بعد أن غادر مسقط رأسه وترك لبنان إلى المهجر. إذ قبل ذلك، كان أسير التقوقع الطائفي الذي يعجُّ به لبنان من عشرات السنين قبل ولادته.. فهو مسيحي أرثوذوكسي.. نشأ في بيئة كان النهج الطائفي يطبعها بطابعٍ خاص نتيجة الدسائس والحروب والفتن التي كان الأتراك والإرساليات الأجنبية الغربية يُشعلون نيرانها  بمختلف الأساليب والوسائل.. ولهذا فقد وجد الفتى فهد إبراهيم نفسه، كغيره، عرضةًً لضربَيْن من التشتت الفكري والانفصام القومي.. يقول هو عن هذه الفترة: “كنتُ فريسةً لشكوكٍ حادة في انتماءاتي القومية، وبالتالي تائهاً في تحديد المدلول الذاتي لحقيقتي.. وهذا بالطبع يعود إلى الأجواء التي ترعرعْتُ فيها وتركتُها إلى أجواء غريبة بعد أن خلَّفتْ في نفسي الفتيّة كل هذه الترسُّبات التي من شأنها أن تشلَّ الإرادة وتحول دون الإنطلاق”. ثم يقول :” وهناك في أميركا بدأ الصراع الذي كان عليه أن يُسهم في تكوين تفكيري، ويُطلق عقلي من إسار هاتيك التشبثات الحمقاء التي تشدّني إلى ماضٍ ومحيط كل ما فيه سفاسف وحماقات وطائفية وإقليمية وقبلية وإقطاع.. مما لا يمكن معه تحديد موقف يتّسم بطابع الجدّية في المنفى، أو تلمّس إتجاه صائب وصحيح..”

ومما لا شك فيه أن الأُدباء العرب وسواء أعضاء “الرابطة القلمية” أو “العصبة الأندلسية” في القارة الأميركية قد لعبوا دورهم في إذكاء روح الثورة والتمرد والعروبة في نفس هذا الفتى الذي وضعته الأقدار على الشواطئ الأميركية وهو لم يبلغ العشرين من عمره بعد. وإذ هو كان يقرأ لهم بإستمرار فقد بدأ نشاطه بالإتصال بهم بالمراسلة، ثم بالكتابة إلى جرائدهم ومجلاتهم ولاسيما منهم: الشاعر إيليا أبي ماضي ومجلته “السمير”، وعبد المسيح حداد رئيس تحرير”السائح”، ونجيب دياب مؤسس صحيفة “مرآة الغرب” وآخرون: كرشيد أيوب، وندره حداد، والمطران أنطونيوس بشير، ووليم كاتسفليس، وغيرهم كثيرون ممن دوّتْ أصواتهم دفاعاً عن الحق العربي والشمائل العربية في أقاليم الإغتراب وبلدانه. ثمَّ وصل الأمر به إلى شيئ من الشهرة عندما دُعي عام 1938م. من الجامعة الوطنية العربية إلى إلقاء محاضرة من إذاعة الدومينيكان الرسمية في موضوع فلسطين ولواء الإسكندرون الذي وهبته فرنسة إلى تركية في أثناء الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان.. وكانت المحاضرة باللغتين: العربية والإسبانية وبعنوان: “فلسطين يُمنانا ولواء الإسكندرون يُسرانا”. وقد لاقتْ صدى طيّباً في وسط الرأي العام، ما عدا فئة قليلة ساءَها الهجوم على فرنسة وانتقادها.. فحاولت هذه الفئة الإساءة إلى المحاضر وملاحقته لولا إحتضان الجالية العربية له وتدخل حكومة الدومينيكان لحمايته.. وإيقاف المعتدين عند حدِّهم..

وإذا كانت أميركا قد شهدت بواكير أعماله وكتاباته السياسية والفكرية والشعرية، فإن أفريقية ستشهد ذروة عطائه وتضحياته وجهاده في سبيل الحرية والوحدة لأُمته العربية.. وذلك عندما رحل فهد إبراهيم إليها وحطّ رحاله في “مالي” وكانت تُسمَّى يومها الجزء الفرنسي من السودان. فهناك وجد نفسه وجهاً لوجه مع الإستعمار الفرنسي الذي يحتل وطنه لبنان وسورية ناهيك عما وجده في أفريقية من ظروف وأوضاع شبيهة تماماً بأحوال وظروف أُمته العربية وما تقاسيه من تجزئة وظلم واستعباد..

ولهذا وذاك، فقد تابع فهد ابراهيم ثورته وجهاده بكل عزيمة وإصرار وعناد. فكانت أول مواجهة مباشرة له مع الفرنسيين عام 1945م. أي في نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما أقام الحاكم الفرنسي في “مالي” حفلة كبيرة إحتفاء بانتصار الحلفاء على النازية والفاشية.. ودعا إليها كل الجاليات الأجنبية هناك. وكان قدر فهد إبراهيم أن ألحَّتْ عليه الجالية اللبنانية/ السورية لإلقاء كلمتها في هذا الإحتفال الكبير. فاشترط على المقترحين أن تُترك له حرية ما سيقوله في كلمته.. وهكذا، ما إن جاء دوره في الكلام حتى وقف بكل عنفوان وألقى كلمة بليغة عن الأمة العربية ومآثرها وتراثها وحضارتها وتاريخها المجيد، ودورها في الحضارة العالمية.. ثم تطرق إلى حق الشعوب في تقرير مصيرها وأدان الحكم الاستعماري للوطن العربي.. عابراً إلى حق الشعبين: اللبناني والسوري في الإستقلال وما قدَّما من تضحيات على مختلف الجبهات، رغم ما تعرَّضا له من ظلم وإستبداد.. وما تتعرض له فلسطين من دسائس ومؤامرات، في تلك الفترة، بهدف اغتصابها من قبل اليهود ومَنْ يناصرهم ويساندهم من القوى الاستعمارية نفسها التي أذّلَّتْ الشعوب وقهرتها وسلبتْ منها حقوقها وحرياتها..

وما كاد فهد إبراهيم يصل إلى هذه النقطة من إدانة للصهيونية وما تقترفه من جرائم على أرض فلسطين.. حتى كان الجمهور المحتشد قد انقسم إلى فريقَيْن متناحِرَيْن: فريق عربي، وفريق أُوروبي.. بينهما جمهور كبير من الأفارقة.. وبدأ الصدام بمختلف الوسائل المتاحة بين الطرفين.. مما اضطر الحاكم الفرنسي إلى وقف الاحتفال وتسيير دوريات عسكرية في شوارع المدينة طوال الليل لمنع الاحتكاك والتصادم بينهما.

اللافت للنظر في هذه الحادثة، كما يرويها هو بقلمه، أن اللبنانيين وقفوا وقفة رجل واحد يساندون فهد إبراهيم، حتى منهم أُولئك الذين كانوا يتنكرون وينفرون من كل ما هو عربي، ويعتبرون أن فرنسة هي “الأم الحنون”.. فقد أقدم هؤلاء على تحدّي الأُوروبيين بكل ما وصلت إليه أيديهم من زجاجات محطّمة وكراسٍ وعِصيّ وسكاكين وصحون وغير ذلك. وهو ما أدهش الفرنسيين وأربكهم.. في حين كان فهد إبراهيم محمولاً على الأكتاف، كبطل شعبي، وسط سيل من الهتافات والزغاريد والأهازيج الوطنية والقومية..

ما كان الفرنسييون ليغفروا لفهد إبراهيم صراحته وجرأته فعملوا على إيذائه ومضايقته في عمله ونشاطه بمختلف الوسائل والأساليب.. فوضعوه تحت المراقبة وأفشلوا العديد من النشاطات التي كان يقوم بها.. وراحوا يتحيَّنون الفرص للتنكيل به.. لايمنعهم عن ذلك سوى الإلتفاف الشعبي العارم حوله وسواء من الجالية العربية أو من الأفارقة أيضاً.

مع قيام ثورة 23 يوليو/تموز في مصر، وجد فيها فهد إبراهيم وفي قائدها الأمل المفقود الذي ينشده والحلم الضائع الذي كان يحلم به.. فكثَّف نشاطه وصار حركة لا تهدأ.. بعد أن صار على تواصل مع مختلف القوى والمواقع القومية في القاهرة وبيروت ودمشق وبغداد، وغيرها. بالإضافة إلى دوره الفاعل والبارز وسط الجاليات العربية في أفريقية، وصحفها ومجلاتها وإذاعاتها.. حتى إذا كان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م. بعد تأميم شركة قناة السويس، فقد هبَّ فهد إبراهيم مدافعاً ومناصراً.. وأمام فعالية نشاطه في المظاهرات والإعتصامات الإحتجاجية، وفي الحشد والتعبئة والتنظيم.. فقد احمرَّتْ العين الفرنسية منه واتخذتْ قرارها بإعتقاله وأصدرت أوامرها بذلك مساء اليوم الذي أُعلنت فيه الحرب..

كان زعيم أفريقي يشغل منصباً عالياً في المجلس الإقليمي الماليّ، وهو صديق لفهد إبراهيم، قد جاء إلى منزله في “باماكو”وأسرَّ إليه بقرار قيادة الجيش الفرنسي إلقاء القبض عليه وإبعاده إلى “كيدال” وهو منفى رهيب يقع في قلب الصحراء الكبرى.. والمعروف عنه أنه بالوعة يغيب في قرارها المنفييون ونادراً ما نجوا من الموت المحتوم. ثم إن هذا الصديق نصحه بإتلاف وحرق كل ما لديه من مستندات وأوراق يمكن أن تدينه.. ففعل ذلك فهد إبراهيم على عجل.. وراح ينتظر قدوم الدورية الفرنسية حتى صبيحة اليوم الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة للأُمم المتحدة بوقف العدوان وما تلاه من تهديد سوفياتي وإنذار إلى المعتدين: فرنسة وبريطانية وإسرائيل. عندها أيقن فهد إبراهيم أنهم لن يُقدِموا على اعتقاله ، لابسبب ذلك فحسب.. وإنما أيضاً بسب الغليان الشعبي عند الأفارقة الذين كانوا ينامون في الشوارع تأييداً لمصر وإستنكاراً للعدوان عليها.. وهو بلا ريب من ثمرة التحركات والنشاطات التي كان يقوم بها فهد إبراهيم ومَنْ معه من المجاهدين العروبيين.

إنتهت حرب السويس، وكما هو معلوم، إلى نصر حاسم لفكرة العروبة والقومية العربية.. وازداد بعدها فهد إبراهيم حماسة واندفاعاً، وإن بقيَ على حذر من الفرنسيين الذين حاولوا إغتياله أكثر من مرة، نجا من إحداها بأُعجوبة.. وصار بعد ذلك أكثر حيطة في تحركاته ونشاطاته..  غير أن صيته وشهرته قد طبَّقا الآفاق حتى قلَّده الرئيس جمال عبد الناصر “وسام الجمهورية” تقديراً لخدماته ونضالاته في سبيل الأُمة العربية وقضاياها العادلة. وتبادل معه الرسائل باستمرار وكذلك الأمر مع ميشال عفلق وصلاح الدين البيطار والدكتور عبد المجيد الرافعي، كما معظم القادة القوميين من المحيط إلى الخليج.. وإلى ذلك فقد صار كثير التردد على العواصم العربية مشاركاً في المحاضرات والندوات الشعرية والأدبية وفي الكتابات والدراسات المتنوِّعة في غير مجلة وصحيفة في الوطن العربي.

وقد لا نستطيع، في هذه العجالة، الإحاطة بكل نشاطاته وتحركاته.. لكننا نستطيع القول، إنه بدأ مجاهداً منذ الثورة السورية الكبرى عام 1925م. ومشاركاً في مختلف الانتفاضات والثورات العربية في فلسطين والعراق وسورية ولبنان ومصر والجزائر، وغيرها. فله إسهامات في العمل القومي في زمن الانتداب، وله مشاركات في ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق، كما في الثورة الجزائرية وغيرها..فقد كان على تواصل وتفاعل مع كل ما يؤدّي إلى وحدة العرب وعزتهم وحريتهم.. وذلك أينما حلّ أو ارْتحل..

أما على صعيد لبنان، فقد اعْتبرَ إستقلاله ناقصاً وهزيلاً ما لم يتوجه قادته الرسمييون إلى مواكبة الإستقلال القومي العام والشامل. ولذلك فهو وقف موقفاً معارضاً للسلطة اللبنانية والطبقة الحاكمة فيها، لأنها كما يقول، ليست عروبية خالصة من جهة، ولأنها طبقة برجوازية مستغلة وظالمة إجتماعياً، من جهة أُخرى. وفي الوقت نفسه، فقد وقف موقفاً معادياً من بعض القوى اللبنانية التي تدعو إلى الإبتعاد عن المحيط العربي والعروبة.. فاتهمها بأنها قوى شعوبية حاقدة تهيم في الحقد والضلال والضياع.

ثابر فهد إبراهيم على مواقفه وآرائه وتحركاته دون ملل أو كلل.. حتى وافته المنية عام 1984م. إثر إصابته بمرض عضال عاد بعدها إلى وطنه لبنان واستقر بطرابلس فتوفي فيها بعد ثمانية أشهر.. ودُفن في مدافن العائلة في بلدته بينو تاركاً بصمات واضحة في التاريخ الحديث وقبسات مشرقة في الجهاد من أجل الحرية والوحدة والعدالة.

آثاره

ترك فهد إبراهيم كتابات عديدة وآثار ضخمة في مختلف المواضيع الفكرية والسياسية والتاريخية.. بالإضافة إلى دراسات أدبية وإجتماعية وديواني شعر غلب عليهما الطابع الوطني والقومي وبعض الإجتماعيات. وفي العام 2005م. قام الخوري إبراهيم سروج، بالتعاون مع أرملته سهيلة فهد ابراهيم، بجمع معظم إنتاجه وإصداره عن مكتبة السائح بطرابلس بمجلد ضخم وسمه: “عربي أنا” وفقاً لوصيته. وأهم مؤلفاته:

– إلامَ التقهقر والإستعباد؟ وهو كتاب تاريخي، روائي، ثوري، فلسفي. طبع في القاهرة عام 1939م.

– العناصر الضرورية لتكوين القومية الحقيقية. وهو كتاب فكري

– مقاومة الإستعمار والدعوة للإنعتاق منه. وهو دراسات فكرية

– الصرخات. ديوان شعر

– الصواعق والترانيم. ديوان شعر

        بالإضافة إلى ذلك فله دراسات في النقد الأدبي ونقد الشعر، وأُخرى في الشعوبية والتغريب ودور المستشرقين وغير ذلك .

المصادر والمراجع

– ابراهيم، فهد: عربي أنا. تحقيق الأب إبراهيم سروج، مكتبة السائح، طرابلس، 2005م.                                                        

– سليمان، محمود حمد : معجم البابطين لشعراء العربية. خمسة وعشرون مجلداً، الكويت، 2008م.

– كبارة، نزيه: أُدباء طرابلس والشمال. دار مكتبة الإيمان،طرابلس، 2006م.

شاهد أيضاً

شائعات تطال المرشحين العلويين… أوساطهم: لا مصلحة لأحد من خسارة أصواتنا

دموع الاسمر لا يزال مرشحو المقعد العلوي من سكان جبل محسن يتخبطون نتيجة الشائعات التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *