الرئيسية » شعر ونثر » الحركة الشعرية في عكار

الحركة الشعرية في عكار

بقلم: د. محمود حمد سليمان

عكار هي القضاء الأكبر في لبنان مساحة وعدد سكان. هي المنطقة الواقعة في الطرف الشمالي من لبنان عند الحدود مع الشقيقة سورية، ويفصلها جنوباً عن قضاء المنية/ الضنية نهر البارد، أما جبال القموعة وهضابها البديعة فتفصلها عن قضاء الهرمل شرقاً حيث تترامى عكار بمنحدراتها وسهلها لتنبسط على شاطئ البحر الأبيض المتوسط غرباً.

وفي عكار ميزتان بارزتان:

الأولى: أن هذه المنطقة من أبدع ما أبدعه الخالق سبحانه وتعالى، بما أضفاه عليها من سحر وجمال وعذوبة، وبما ازدانت به من إبداع في مختلف الفصول والأيام. ففي عكار جبال يصل علوّها إلى الألفي متر عن سطح البحر وفيها سهل فسيح ينبسط عنده المتوسط منهكاً من سفره البعيد.. وما بينهما هضاب وتلال وأودية وأنهار وجداول كلها توحي لك بالإيمان العميق فلا تملك إزاءها إلا تسبيح المبدع الخالق أو أن تقول: (فتبارك الله أحسن الخالقين).

الثانية: هي أنه بقدر ما في عكار من جمال طبيعي حباها به الله سبحانه، بقدر ما فيها من حرمان رمتها به الدولة على مر العهود والزمان. ويكفي أن نذكر أنه في العام 1935م، قام وفد من مثقفي عكار وفعالياتها بجولة على المسؤولين في بيروت وهو يحمل عريضة موقعة من عدد كبير من الفعاليات العكارية يطالبون فيها بجعل عكار محافظة من الناحية الإدارية. من ذلك الزمن والى اليوم والمطلب ما يزال قائماً لم يعرف طريقه إلى التنفيذ بعد، فكيف إذا ذكرنا أن 70 % من طرق عكار الرئيسة لم تزل كما تركها الفرنسيون عام 1943م. وأن 70 % من قرى عكار ما تزال عطشى إلى اليوم لم تعرف بعد مياه الشفة كما في غير منطقة من لبنان. ولو قصدنا أن نعدد أوجه الحرمان لاحتجنا إلى كتاب قائمٍ بذاته.

هاتان الميزتان هما الأبرز في واقع عكار وحاضرها، وهما شئنا أم أبينا ستتركان أثرهما على كل نفس وموهبة ولا سيما في الشعر الذي هو المرآة الأصفى التي ينعكس عليها الواقع بكل ما له وما عليه. فالشاعر ابن بيئته وعليه فشعراء عكار يولدون من رحم المعاناة فنراهم إذ ذاك ملتصقين بالهموم الوطنية والقومية، ويترعرعون في حضن دافئ من طبيعة خلاّبة فيجنحون مرغمين إلى وجدانية نقية صافية استمدت طهرها من طهر تلك الأرض الطيبة.

إننا لم نصل إلى هذا الاستنتاج إلا بعد أن تصفحنا وقرأنا عدداً كبيراً مما صدر عن العكاريين من قصائد. فوجدنا أنه بإمكاننا أن نضعها في إطارين أساسيين هما: الشعر الوطني والقومي من جهة، والشعر الوجداني والغزلي من جهة أخرى.

الشعر الوطني والقومي:

معظم شعراء عكار كتبوا في الوطنيات والقوميات، وقد لا نجد أحداً منهم إلا وكتب قصائد في لبنان وفلسطين والعراق والقدس والمقاومة والوحدة العربية وأحلام الحرية والاستقلال، وغير ذلك. على أن البعض من هؤلاء الشعراء التزم فقط الكتابة في هذا الباب دون غيره من أغراض الشعر الأخرى فجاء شعره شعراً وطنياً ملتزماً أو شعراً قومياً بامتياز، ومن هؤلاء الشاعر عبد الكريم حبلص الذي عرف بقصائده الطويلة، وهو يكتب القصيدة الحديثة الملتزم فيها بالتفعيلة وقد حمّلها ما استطاع من طاقات وجدانية وايحاءات ورمزية طبعتها بشيء من السحر والأناقة، يقول من قصيدة بعنوان: «هيا حسين»

«هيا حسين، وكربلاء

هيا فجدك غاضب

والأرض تغدو خِرقة

مطوية الأطراف في كف النساء

والعصر فيض مواجعي

وخصوبة السكين تصهرني نقاء

والجرح درب بين قلبي، والسماء»

أما قصيدته الأطول في ديوانه فهي بعنوان: «بغداد في قلبي كتاب» يقول في مطلعها:

«ماذا جنت؟! ما ذنب أشجار النخيل؟!

يجتثّها، ويدوسها عِلْج دخيل

تسطو عليها في الصباح الباكر

وتذلها عند المغيب

أرتال جيشٍ ماكرٍ، لفظته شطآن البحار»

إلى أن يقول:

«ما ذنب أشجار النخيل

تعطي ظلالاً وارفه

فينالها حقد ثقيل

وتدوسها قدم الغريب

فتسر في صمت، تقول:

قلبي ملاذ الخائفين

كفّاي نبع للعطاء

أُعطي ثماراً للجميع

لا أعرف الحُرَّ المكافح، والدخيل

وأقاوم الحَرَّ المكابر، والصقيع

وأذوب عشقاً خالصاً

وأُجيد تكرار الربيع»

وهكذا نلاحظ أن القصيدة كانت محفلاً لإيحاءات ودلالات نفسية وشعورية كثيفة ومتدفقة، وفي الوقت نفسه برز فيها دور العقل في المقاطع والأقسام إذ لكل مقطع منها فكرة أو افكار أراد الشاعر إيصالها إلى ذهن القارئ بسلسلة متصلة ومترابطة ومتكاملة.

أما في القصيدة التي جاء عنوانها هو نفسه عنوان الديوان، فيقول في مطلعها:

«نغم على شط الفرات

نغم يهيم بدجلةٍ

ينساب في أرض العراق

نغم يرفّ حمامة

يجتث من قلبي الصدأ

والشمس ترخي ثوبها الفضفاض، تحتضن النهار»

إلى أن يقول:

«ويهل في الشرق المطر

فيباد من عبروا البحار

ويظل ليلك يا عراق

صيفاً يطارد كل ألوان العفنْ

ويفض أغلفة البذار

يعمي بصائر من تمادى في ركوب البغي من نسل التتار»

ففي هذه القصيدة، كما في كل قصائد الديوان، نجد عبد الكريم حبلص يجيد ويتقن أنسنة وشخصنة الجمادات فيبثّ فيها دفقاً شعورياً وروحياً يجعلها كائناً حياً، وهذا ما أعطاه للعراق وبغداد والنخيل، وغير ذلك من المدن والأنهار والأماكن، التي شخَّصها دون تزييف أو تزوير ما يجعلك تحس معه بصدق العاطفة وعفويتها بعيداً عن التكلف والتصنع. ومن جهة أخرى ففي قصائده دفق من الموسيقى الداخلية التي تمر وئيدة هادئة دون صخب أو ضجيج فتلامس الأُذن والقلب في آن معاً.

أما الدكتور مصطفى عبد الفتاح فلا يقل ثورية صادقة وقومية مخلصة عن الآخرين ممن ارتقوا هذا السلم ونسجوا على منواله. يقول من قصيدة «بكاء على التاريخ»:

أبكي واصرخ من حزني ومن ألمي
أبكي وأبحث عن عشق يؤانسني

قد جفَّ دمعي وجفَّ الحبر في قلمي
لكنه ضاع عشقي اليوم مع حلمي

إلى أن يقول:

هذا السعير يهز القلب إذ هزلت
إن تقرأ التاريخ لا ترضيك حالتنا
إن تقرأ التاريخ قد ألقاك مندهشاً

فينا المزايا فصرنا أسوأ الأمم
الوهن أدركنا في النفس والقيم
من أُمة هبطت من قمة القمم»

وهو كتب القصيدة الكلاسيكية العمودية، وكتب القصيدة الحديثة أيضاً وما بينهما عواطف مبثوثة ومشاعر تنضح بالصدق والعفوية وحرارة المشاعر والأحاسيس. يقول من قصيدة «قانا وأخواتها»:

«قانا

كتاب المعجزة

قانا حكاية مستحيل

قانا

معالم قصة

عنوانها

الأمل الجميل»

ثم يروح وبأقل ما يمكن من كلمات وألفاظ، يصوّر لنا كيف تحولت قانا إلى رمز لأخواتها الأُخر.. الشهيدات، وكيف تحولن جميعاً بقامات مرفوعة إلى أشعة من لآليء فوق غرَّة الزمن.. ومرابض للفجر في عرس الزمن الذي تبددت فيه الظلمات.. واستفاق النبض هنالك في عدن.

هكذا وبمثل هذه الرمزية يخاطب مصطفى عبد الفتاح الشهداء أطفالاً كانوا أم فرساناً كما يخاطب القرى الشهيدة ليجعلها منارات مضيئة على جبهة التاريخ لكل زمان مقاوم.. وصولاً إلى سيد المقاومة الشيخ حسن نصرالله فيقول فيه:

«يا سيد الأحرار والأقوام
يا سيد التحرير، دمت معلِّماً
يا سيد التحرير عشت معززاً

من نور وجهك أستقي إلهامي
نبضاً وأغنية، ولحن قيام
للمجد جبهته، وخير قيام»

ويقول من قصيدة بعنوان «سقوط العراق»:

«سقط العراقْ

وشربنا الكأس

والكأس مر ودهاقْ

واليعربي المتخم المخبول

نام وما استفاقْ»

وقد يتغزل باللاذقية، الواقعة على الساحل السوري، فيقول:

«هاجني الشوق إليكِ

يا ربوع اللاذقية

يا فتاة البحر والأحلام

والشمس البهيه

عشتُ عمري في هواكِ

كنتِ أحلامي النديه

كنتُ طفلاً يوم كنتِ

قلعة الشط العصية»

وهكذا نرى كيف أن الشاعر يعيش الهمّ القومي والهموم الوطنية الأخرى، حتى وهو يحب أو يكره، أو يفرح أو يتألم.. وإننا نلمح توقه إلى الحرية الذي لا يعادله إلا شغفه بالمقاومة والإيمان بحقيقة انتصارها سواء أكان ذلك في العراق أم فلسطين أم لبنان، وهو إيمان يتكرر في قصائد مصطفى عبد الفتاح وأشعاره بقدر ما يتردد صداه في شعر شاعر عكاري آخر هو محمد حبلص، الذي يطالعنا بقصيدة يتغنى فيها ببلدته ومسقط رأسه «برقايل»، فيقول في مطلعها:

«خلود مجدكِ في التاريخ والكتبِ
هامات أهلك يا برقايل ارتفعت

ونور وجهك لمّاح لدى الشهبِ
نحو العلاء فطالت هامة السحبِ»([1])

والقصيدة كلها جاءت مسرحاً للتغني بتاريخ برقايل وأهلها ومدعاة لافتخار الشاعر بأمجادها الغابرة. على أن محمد حبلص انطلق من «برقايل» ولكنه لم يتوقف عند حدود معينة فحلّق في سماء القدس والشام وقانا وبغداد ومكّة، وطاف غير محطة تاريخية ورمزية في تاريخ الأمة العربية ومجدها التليد. على أن القدس قد حازت النصيب الأوفر من شعره، فقد كتب لها خمسة قصائد في ديوان «زئير العاصفة وحده». وذكرها متغنياً في أكثر من قصيدة من قصائد الديوان الأخرى. ومنها قصيدة بعنوان: «هوى مقدسي» ومطلعها:

«أُغنيك يا قدسي غناء العنادل
أملُّ وأنسى ما أشاء من الهوى
فإني وإن رحلتُ عنكِ بصورتي

فينساب شعري كانسياب الجداول
ويبقى هواك الطاهر، الدهر، شاغلي
فلست أنا، روحاً وعقلاً، براحل»([2])

ويقول في قصيدة أخرى بعنوان: «الحجر القدسي»:

«مرحى له الحجر القدسيّ مرميّا
أبدى البسالة في الهيجاء محتقراً
فإن فيه وفي إيمان قاذفة

بقبضة لم تخفْ حقداً يهوديّا
أعتى السلاح فكان النصر حتميا
بأساً عريقاً جديد الوجه سحريا»([3])

وأما العروبة فلها في دواوينه قصائد عديدة أيضاً. بل إنها الروح السارية في كل خفقة من خفقاته كما في كل بيت ومقطع وعبارة يقول فيها:

«كالشمس يزهو نورها اللألاء
طلعتْ على هذا الوجود، ولم تغب

منذ استراح على الثرى القدماء
فتنوَّرت من وهجها الغبراء»

وقد يتغزل بها كما العاشق الولهان، متفاخراً بأنه عربي:

«القدس للعرب حتى قبل أن نزلت
أنّى القبول بأن تغدو مهدّدة
إني لأعجب من عرب حناجرهم
لم تدرك الأمم الغلباء عزّتها



من السماء ديانات وآلاء
وفي ثراها لنا موتى وأحياء
عن حق أمتهم، في الدين بكماء
لولا شباب أبيّ النفس معطاء»



وهكذا نجد أن محمد حبلص يتخذ من العروبة مقياساً يقيس عليه كل ما حوله ومعياراً للحكم على الآخرين محمّلاً قصائده ما استطاع من مشاعر قومية وأحاسيس وقد غلّفها بحشد من الرموز والطاقات الثورية المؤمنة والواثقة بحتمية الانتصار.

وقد نجد هذا النفس الثوري أكثر وضوحاً وإشراقاً في ديوانه «قصائد متمردة» وهو الديوان الذي مزج فيه بين قصائد يتغنى فيها بحب لبنان وأخرى يحوم من خلالها في سماء العروبة وآفاقها البعيدة والقريبة. على أن الملاحظ في شعره هذه العفوية التي تنساب جاعلة الأفكار تتلاحق سلسلة والألفاظ تتراصف بكل وضوح ودون أي تعقيد أو إبهام. يقول في وطنه لبنان:

«إن شئت بالسيف أو إن شئت بالقلم
يا موطني أنتَ في شعري تظل هوىً
إني سأبقى أُغني دونما كلل
أُعطيك حبي يا لبنان قافية

أذود عنك فلا تعتب ولا تَلُمِ
لا يضمحل، ولا يدنو من الهرم
لحن القريض لمجد الأرز والعلم
هيمى تجوب بلاد العرب والعجم»([4])

والى المعاني نفسها يذهب في قصيدة أُخرى قائلاً:

«لذكرك، لبنان، يزهو القصيد
كأني على أيكتي بلبل

ويحلو على شفتيَّ النشيد
أُغني هواك، وقلبي عميد»

والى مثل هذه المعاني ايضاً، ينهض جبران نادر في قصيدة نظمها على سلك الشعر الحديث بعنوان «يا بلادي» ومنها قوله:

«أهواكِ دامعة الجمال الغضِّ

يا أُم الجمال

أهواكِ راعية يقلد «أُوفها»

عمق الوهاد

أهوى محياك الصبيح يسيل

ترشفه الجبال

فتميد بالآس العبيق، بضاحك القندول

بالقصعين يصحو من رقاد»

ويتغنّى جبران نادر بالجنوب اللبناني الجريح والمقاوم فيكتب تحت عنوان: «يا عروس الجنوب»

«يا عروس الجنوب في حللٍ
قبس أنتِ من وفاء ونبلٍ
آية أنتِ من روائع دنيا

الطهر وتيه الزنابق البيضاء
طيّب النشر مستفيض الرواء
خلف أفق الظنون في الأمداء»

وبهذا النفس الهادئ تنساب القصيدة كلها بخلاف ما عرف عن الشعر الوطني من صخب وحماسة وعواطف مندفعة.. بالإضافة إلى ذلك فقد تميزت هذه القصيدة بليونة ألفاظها وحداثتها، ووضوح جملها وتراكيبها على شيء من روح التأمل والسكينة وهي تنضح من قريحة الشاعر وأحاسيسه.

أما الخوري نايف اسطفان فيمزج مدحه للبطريرك «هزيم» بمشاعره القومية والوطنية وبالتغني بالمقاومة وبالرموز القومية وبالعروبة وبكل ما يشير إليها أو يذكر بها، يقول:

«صليب للتسامح والسلام
وللذكرى يلازم كلّ بيت
.. مقاومةٌ عرفناها سعيراً
فقامت بالبطولات انتقاماً
ولم أنسَ الشآم ومن رعاها

ورمز للتواضع والوئام
لتعزية الورى عند الحِمام
فلا نار تذيب بلا ضرام
على جبل الجليل وفي الحزام
وكمْ أَوْلوا القضيَّة باهتمام»

وبعد أن يشير إلى دور الشام في دعم المقاومة ومساندتها يخلص إلى مدح البطريرك ومواقفه الحرة والمقاومة:

«ولن أنسى مواقف كل حرّ
«هزيم» المجد كم ضحّى لنبقى
رعى أنطاكيا فبنى بمجد
دعانا كي نوحّد في ثباتٍ
لننقذها عجالاً من بغايا
ونحميها بإيمان لتزهو

مقدّمهم بطريرك الروام
على عهد الكرامة والذمام
وتدبير حكيم والتئام»
لأن القدس رهن الإلتهام
ونكشف ما انطوى تحت اللثام
على صدر العروبة كالوسام»

وهكذا نجد أن المقاومة والشام والقدس والعروبة قد اتحدت كلها في سبك واحد من المعاني وتلاقت عند مدح البطريرك وتفرّعت عنه بكل وضوح وليونة وبعيداً عن الحوشي والغريب والتعقيد، ليس في المعاني فقط، وإنما أيضاً في الألفاظ والتراكيب والعبارات التي جاءت بمتناول اليد والذهن والفهم..

وقد لا يغيب دور العقل عن هذه القصيدة رغم أنها تضج بالعواطف والمشاعر، وهو ما نراه في مناقشة الأب نايف لليهود ودورهم القائم على المكر والغدر والحقد.. وفي رؤيته للتاريخ العربي الحافل بطرد الغزاة والمستعمرين والمتجبرين..

وفي عكار شاعر آخر حلَّق في فضاء العروبة الحضارية وحمل هموم أُمته وقضاياها، هو الشاعر العروبي فهد إبراهيم الذي لا يغيب عنه الهمّ القومي وإعادة الأمة العربية إلى مجدها الغابر حتى وهو يصف أو يتأمل أو يتغزل… وقد لا تمر مناسبة إلا وله فيها قصيدة، وقد لا يمر حدث إلا وله فيه وقفة شعرية طويلة، وربما وقفات كثيرة.. فهو يغني بيروت ودمشق وبغداد والقاهرة ويتألم لفلسطين والجزائر ولبنان وكل أرض عربية وضعها الاستعمار الغربي تحت المجهر.

يقول مخاطباً بيروت في أثناء الحرب اللبنانية:

«أبى عليها العلى أن ترتدي العارا
بيروت والعالم المشدوه يرقبها

أو ترتضي الذلَّ إذعاناً وإقرارا
وحيدة تتحدّى الموت والنارا»

وبعد أن يصب جام غضبه على «شارون» واليهود وما يحملونه من همجية وتوحش، وبعد أن ينهال على الأنظمة المتخاذلة والمتهاونة بكل نعوت الذل والمهانة والخيانة، بعد كل ذلك يبشر فهد إبراهيم بالثورة الآتية من حرب تحرير شعبية منبثقة من إرادة الأحرار في لبنان والأمة كلها، وعندها لن يعود ينفع الخلل في موازين القوى لصالح العدو أمام الخلل في موازين الإرادة لصالح المجاهدين والمقاومين.. وكل ذلك بثورة عارمة من الحماسة والأحاسيس المنفعلة إلى أن يقول:

«عفواً بني أمتي إن جرتُ في غضبي
أفنيتُ عمراً مديداً في هوى وطنٍ
آمنتُ بالله، إذ يحنو على بلدي

ما لِيمَ حرٌّ، جريح القلب، إن ثارا
ظننتُ أبناءَه في الخطب أبرارا
وبالعروبة ميثاقاً وأقدار»

وفي قصيدة قاربت الستين بيتاً بعنوان: «جمال عبد الناصر» حاول فهد إبراهيم أن يحشد فيها كل معاني الجهاد والعزة والكرامة والشجاعة والاخلاص.. ليهيلها على جمال عبد الناصر في اندفاعة ثورية مليئة بالأمل والتفاؤل والثقة بحتمية النصر والتحرير:

«فتى العروبة، حيّاك العلى فلقد
ألقيت درسك والأيام مصغية

أحييت فينا معاني الجِدِّ والحزما
على الطغاة، فما أخطأتهم مرمى»

إلى أن يقول:

«يا أيها الحر، قد آمنتَ إذ كفروا
أحسستَ آلامها كفكفتَ أدمعها
فباركتك فتى يُرجى لنهضتها

بأمّةٍ، قلبها من كفرهم يُدمى
أدركتَ أنفتها، قدَّستها أُمّا
وطوّبتك أبيّاً صادقاً شهما »

ومثل بقية الشعراء يتغنى فهد إبراهيم بالمدن العربية وما يحمله تاريخها من تراث وإشعاعات حضارية، غير أن ما يميزه عن غيره هو تفاؤله البعيد عن البكاء والحزن والأسى، وهو ما كنا نلاحظه عند غير شاعر من شعراء عكار. يقول متفائلاً:

«يا فارس الساح مات الحق في وطني
سيولد الفجر من أكواخ صبيتنا

مذ ضيّع الساح أبطالاً وفرساناً
وتحصد البغي صحراءً وشطآنا»([5])

وهو إلى ذلك يستحضر الرموز العربية عبر التاريخ كبدر واليرموك والقادسية وحطين.. وتتكرر في شعره صور خالد بن الوليد والمثنى وصلاح الدين، وغيرهم من ابطال الأمة ورموزها وهو ما جعله يوفق بين الشاعر الرمزي بكل ما يعنيه من تأمل وإيحاء ودلالة وبين الشاعر المنبري بكل ما يحمله من حماسة واندفاع وإثارة. وهي صفة لا يجاريه فيها إلا شاعر آخر من عكار هو الشاعر توفيق جرجس بربرالذي يذهب إلى الموضوعات نفسها، باللهجة نفسها وبالنكهة البنيوية نفسها. يقول في مطلع قصيدة بعنوان: «بين محمد وناصر».

«قم يا محمد واشهد نهضة العربِ
هذا ابنك المصطفى المختار حيث نرى
دم الرسالة يجري في مفاصله
هذا المطلّ على أطلال أمته

تشهد «لناصر» بالإقدام والغلب
في خلقه السمح خير ابن لخير أب
وفي خلائقه الزهراء روح نبي
فتستحيل بناءً شامخ القبب»

وهو، وبعد أن يمعن في مدح جمال عبد الناصر ينهال بأقبح النعوت على الصهاينة ومن جاراهم ووالاهم من العملاء الرجعيين فيقول:

«إن كان “صهيون” في أخلاقه حطباً
لم ينـزل اليهود أضيافاً على عرب
دعا “جمال” فلبّى الشعب دعوته
فإن للحق صوتاً ليس يسمعه

فنحن نار وما للنار كالحطب
وإنما نزلوا نفطاً على لهب
وليس بالأمر أن الصمّ لم تجب
من ليس يصغي لغير البطل والكذب»

وهكذا نلاحظ أن توفيق بربر يوافق الآخرين في تفاؤلهم وثقتهم بحتمية الانتصار كما في تغنيه بأمجاد الأمة عبر التاريخ، بل إنه يتحد معهم في وحدة شعورية متماسكة في منطلقات أحاسيسها وعواطفها وأحلامها وآمالها. يقول متباهياً ومتفاخراً:

«فليعلم الغرب أن الشرق مرجعه
إن كان يحجبه في أفقه كدر
ما أعظم الفرق في الأطوار بينهما


ومطلع الشمس والأقمار والشهب
فالشمس تحجب بعض الوقت بالسُّحُب
كأنه الفرق بين الرأس والذنب»([6])

ولعل اللافت هذه الوجوه البلاغية المكثفة ومنها هذا الحشد من الكنايات المحببة التي تساعد على إطلاق العنان لصور وتخيلات مريحة للنفس والذهن بكل ما فيها من حسن تعبير وأداء.

أما المطران أبيفانيوس زائد مطران الروم الأرثوذكس في عكار، فينبري لفضح اليهود وكشف اللثام عن نواياهم وأحقادهم فيقول:

«ركب اليهود هواهم واستكبروا


وعلى الشعوب تآمروا وتضافروا


هم زمرة الشيطان والطغيان همّهم السيادة والنفوذ الأكبر

نقضوا عهود الله وانحرفوا بها
جعلوا بيوت الله بيت تجارة


واستسلموا لغرورهم وتطوروا
ومغارة للصوصهم واستأثروا


صلبوا المسيح لأنه لم يرضَ عن

أعمالهم فتجاهلوه وأنكروا»

ونلاحظ أن القصيدة تحوم في أجواء المفاهيم الدينية ومصطلحاتها ومفاهيمها، بل هي منبثقة من الدين نفسه ولذلك غلب عليها حقل دلالي معجمي واحد، الأمر الذي يجعلنا نلمس صدق المشاعر والأحاسيس عند قائلها، كما نلمس العفوية في الكلام والبساطة وعدم التأنق.

أما الدكتور حسن نمر دندشي فيجنح إلى ما جنح إليه الآخرون من إثارة وحماسة وتفاؤل رغم سريان الطروحات القائلة بأن الشعب نائم.. والشعب صامت لا حراك له، وما هو من قبيل إشاعة اليأس في النفوس، فيرد على ذلك قائلاً:

«آمنت بالشعب، إن الشعب يقظان
في النوم للجسم راحات ومنتجع
ما بعد هدأتها هذي سوى لهب

فلا يُغرَّ بأن الصمت خذلان
كذا الشعوب، لها في النوم معوان
وقّاده حين يدعو المجد، إيمان »([7])

ثم يروح يحذر المستعمرين من ثورة الشعب العربي المقبلة والتي ستكون زلزالاً تحت أقدام الطغاة دون أن يوفر الأنظمة العميلة من جام غضبه وسخطه.. ولقد فصل حسن دندشي بين شعره القومي وشعره الوجداني فصلاً واضحاً وإن كان قد برع في الشعر الوجداني أكثر من غيره، كما سنرى.

كانت هذه أهم الملامح من النفحات القومية والوطنية في عكار في هذه الحقبة، وهي نفحات جاءت لتؤكد إيمان العكاري بعروبته وثقته بأمته واخلاصه لوطنه الذي غالباً ما كان يعاهده على التضحية والفداء وبذل الغالي والرخيص في الذود عنه وعن كرامته وعنفوانه وعزته.

وهذه النفحات عكست لنا وحدة المشاعر والأحاسيس عند العكاريين على اختلاف فئاتهم ومشاربهم حتى لكأننا أمام قصيدة قومية واحدة. إذ لا خلاف في المفاهيم والمعاني والمنطلقات كما لا خلاف في الغايات والأهداف والنتائج.. وفي الوقت نفسه عكست هذه النفحات تفاعل العكاري مع القضايا القومية والوطنية تفاعلاً تميز بالحيوية والحماسة والاندفاع.

الشعر الوجداني والغزلي:

ولعله يأتي في المرتبة الثانية كماً ونوعاً عند الشعراء العكاريين. ولعل في طليعة البارزين فيه الدكتور حسن نمر دندشي وفهد إبراهيم وجبران نادر، وجورج زيتونة، ومحمد حبلص، وغيرهم. وإذا كنا نجد عند العكاريين من التزم في نظمه الشعر الوطني والقومي دون سواه فإننا لن نجد في الغزل من التزم هذا الباب دون غيره، فشعراء الغزل كتبوا في الوطنيات والقوميات ايضاً وربما في أغراض أخرى أحياناً. أما الميزة الأكثر بروزاً عند الغزليين العكاريين فهي بعدهم عن الاباحية والخلاعة والشعر الفاحش، وبالإجماع. فغزلهم غزل عفيف بشكل عام، نادراً ما يتطرق إلى مفاتن الجسد عند الحبيبة وأن تطرق أحياناً فدونه العورات والعيوب. وما إلى ذلك… ولعل هذه الميزة انطبعت في نفسية العكاري من بيئته الريفية العكارية التي لا تزال تقاوم زحف المدنية الحديثة وتتقي آثارها.

ولنا مثال على ذلك من حسن دندشي الذي يقول:

«نحن أهل الحب منا
نحن بالله التصقنا
فمن الحب رضعنا

كانت الرسل وفينا
منذ أجبنا العيونا
والى الحب عُزينا»

وإذا كنا نلاحظ حرصه على إظهار ايمانه بالله وتفاخره بهذا الايمان، فلا نبالغ إذا قلنا إن الشعراء العكاريين هاموا بقضايا الأمة والوطن أكثر بكثير من هيامهم بحبيباتهم أو ربما امتزج الحبّان معاً وتماشيا كما نلمح ذلك من إحدى قصائد حسن دندشي متغزلاً بأستاذة الفلسفة عندما كان تلميذاً عندها فيقول:

«درِّسينا درِّسينا
وتحاشي أن تبالي

ألغزالي وابن سينا
إن حفظنا أو نسينا

نحن من أجلك جينا

ألفرابي ألمثالي
وابن رشد وأبوه


ضاع في إثر الغزالي
ذهبا من كل بال


نحن في الصف ولكن
بعضنا في «شرم الشيخ»
بعضنا الآخر تاه
ليس تدري شفتاه

اسألينا تعرفينا
وفي أغوار سينا
فكره أو مقلتاه
من كلام، غير آه!!»

ولقد امتازت قصائد الدندشي الغزلية بالقصر وبأوزانها القصيرة والمجزوءة في غالب الأحيان، كما أنه وفي الغزل غلبت القصيدة الحديثة من حيث الوزن وشروطه على القصيدة العمودية في ديوانه والى ذلك، فعباراته وجمله جاءت بسيطة سهلة لا غرابة فيها ولا غموض، كقوله:

«على الساقيات قفي ودِّعي
هناك ترين غراماً مضى
ترفُّ رؤاه على خاطري

وما الساقيات سوى أدمعي
خيالك فيه وفي أضلعي
إذا الشمس غابت، وفي المطلع»([8])

وقد يحاول أن يرسم صورة لا تخلو من إبداع عندما يقول:

«نحرتُ الفؤاد ووزعْتُهُ
وبعض أثار دنوّ النوى


فبعض لديك، وبعض معي
جواه، ففرَّ ولم يرجع»

أما الشاعر فهد إبراهيم فيحرص على إظهار الجانب الأخلاقي في حبه وطهارة قلبه وسلامة نواياه رغم أن هذا الحب قد استبدّ به وكاد يودي به إلى الهلاك:

«أغالب حباً ناشئاً حلّ في قلبي
سلاحي فؤادي إذ أردت نزاله
لقد أخلصت روحي هواكِ وإنني
وأقسم أني عاشق كلَّ من له



وأَفعم روحي بالأسى وسبى لبّي
وقد خانني هذا إذ انضم للحب
لأُشهد، فيما لا يمارى به، ربّي
صلات بحيٍّ تقطنين، وبالقرب »([9])

وهو وإن استوحى بعض معانيه وصوره مما عرف وشاع في الموروث الشعري العربي منذ القدم، إلا أنه يسكب ما استلهمه بقوالب جديدة بعد أن يعيد صياغتها وفق مقتضيات العصر وما أخذ منه من ألفاظ ومفردات حتى جاءت قصائده، بشكل عام، من الوضوح والليونة بحيث لا يحتاج معها القارئ أو السامع لأي جهد أو عناء حتى يستطيع فهمها أو تلقي أهدافها وغاياتها.

وبخلاف الشاعر حسن دندشي، فإن فهد إبراهيم لم يكتب القصيدة الحديثة أو يحيك على منوالها رغم أنه عايش موجة «الشعر الحديث» التي انطلقت أواخر الاربعينات من القرن العشرين الميلادي.

ومثله في ذلك مثل الشاعر جبران نادر الذي ينحاز إلى القصيدة العمودية انحيازاً واضحاً في عموم شعره ومنه الغزل الذي تميز فيه بالصورة التي جاءت أكثر إشراقاً وبالخيال الذي جاء أكثر انفلاتاً وانعتاقاً. يقول من قصيدة بعنوان: «حلم الأصيل»:

«للشمس أم لجبينها الوضّاح
شمسان، من أُفق الغروب تهاوتا


ما قالت الأرواح للأرواح
في روعة بهرت رؤى الملاح»

إلى أن يقول:

«وغزالة يسبي العقول بهاؤها
بعباءة من لؤلؤ وزمرد
في الجيد والخدين واللحظ الذي
ظفرت بآيات السمو، ولم تدع
شمسان تبتكران أروع مشهد

مزهوَّة بفتونها المنداح
خلعت على الأمداء خير وشاح
يأوي الشموس ونشوة الأقداح
من جاهه نذر الذات جناح
والقلب يخفق للحنان الضاحي»

وهكذا، نجد أنفسنا أمام لوحة رائعة من ثلاثين بيتاً لعل أروع ما فيها هذا التزاوج بين الصور البدوية القديمة والصور النفسية المعاصرة، كما هذه المواءمة بين التشبيهات المحسوسة المألوفة، وهذه الصور المعنوية الحديثة المبتكرة. وهذا وذاك زينهما الشاعر بألفاظ امتازت بالفخامة والجزالة مع أنها سهلة وواضحة وبعيدة عن الغرابة والتعقيد إلا ما جاء عفو الخاطر..

ليس هذا فحسب، بل ما يلفت النظر ايضاً هذا الحشد المتجانس أيضاً للمعاني التقليدية والأخرى الجديدة والتي تناولها الشاعر من واقع البيئة الجغرافية والاجتماعية التي يحياها..

وإذا كان جبران نادر قد وسم شعره بهذه اللمحات الساحرة، فإن الدكتور مصطفى عبد الفتاح يحاكيه في قصيدة رائعة أيضاً وقد جاء فيها متغزلاً:

«أطلَّت في رقيق من ليان
يفيض العطر في الأجواء سحراً
ووجه إن أطل بعتم ليل
تمدّ الخطو كالنسمات تجري
فهام القلب في شعر تدلّى

يميل الخصر مثل الخيزران
تحاكي الشمس أو قمر الزمان
ينير الليل مثل الشمعدان
تبثّ الحب في نطق البيان
وثغر الورد لون الأرجوان »

وإذا كانت الألفاظ، كما نلاحظ، تأسرنا بليونتها وانسيابها الهادئ المتلاحق فإن ما امتازت به القصيدة أيضاً هو هذه الموسيقى الناعمة الهادئة التي تبث فينا حبوراً داخلياً تتابعت موجاتها دون صخب ودون توقف. وعلى وقع هذه النغمات يقول من قصيدة أخرى بعنوان: «سجن العاشقين»

«دقَّ الفؤاد لرؤياها، فما العمل
ولهان تسحره، حيران يلهبه
ظمآن يحرقه حبٌّ ويجعله

وانكبَّ يحلم، يقظاناً به خبل
هذا العذاب، فقد ضاقت به الحيل
جمراً تؤججه الأشواق والغزل»

وعلى هذا النحو، يسهب في بث الشكوى والوجد والشوق وما أصابه من البعد والهجر والجوى، إسهاباً تتابعت تفاصيله وتناثرت معانيه كما تتناثر أنفاس العاشق المخلص الولهان ولا تتوقف إلا عند الانتقال إلى التعهد على الوفاء والإصرار على الوصل وحتميته. فيقول:

«ما انفك يعشقها لا يرتجي بدلاً
إن كان مطلبه في الشمس يقصده

فهي الأساس وبئس الغير والبدل
أو حتى في المريخ أو ينأى به زحل »([10])

والقصيدة من ثلاثين بيتاً من الغزل العذري العفيف والمخلص، تدفقت بين ثناياها أحاسيس دافئة غير أنها انهمرت بغزارة بعيداً عن التصنع والتزييف والافتعال… وهي وإن استلهم صاحبها معاني الشعر العذري وأفكاره، غير أنها، بحق، قصيدة معاصرة بالدرجة الأولى ابتعدت عن البداوة وصورها.. ونأت عن الغرابة وغموضها. فكانت أقرب إلى السهل الممتنع في أسلوبها، وبمتناول الذهن والقلب في أفكارها ومعانيها.

أما المحامي جورج زيتونة فيبدو في قصائده الغزلية أكثر جرأة في وصف مفاتن الجسد ومواطن الجمال فيه… دون أن يتعدى الحدود إلى الإباحية أو المادية المفرطة. وقد يضم في القصيدة الواحدة الصور العذرية إلى الصور المادية.

كما في قوله بعنوان «هذي حياتي»:

«أهي الرؤى، أو ما ترى العينان
أشعلتُ قلبي كي أرى ما لا يُرى

عند الغدير، على الصبا الريّان
إلا بفيض الحبّ والايمان »

وشيئاً فشيئاً يتدرج إلى الصور الحضرية فيقول:

«طبع الصباح على النديّة قبلةً
لولاكِ يا أشهى، وأجمل قامة
فتّشتُ يوماً عن سماء قصيدتي
في لفتة، في شهقة، في لمسة


فرحتْ بها الأنسام في الوديان
من كان يرسم مشهد البنيان
فلمحتها في نهدِكِ العليان
تمتدّ بين مفاتن الشطآن.. »

وعلى هذا النهج من الخلط بين الغزل البدوي والآخر المادي، يسير جورج زيتونة في معظم قصائده والتي غالباً ما يبدأ بها عذرياً ويتدرج إلى المادية كقوله:

«مثل الغزال إلى مجاري الماء
مرّت بنا مثل النسيم خفيفة
ممشوقةٌ مسنونةٌ مشبوبةٌ

ترنو وتعدو في البعيد النائي
عند التلال، وغفوة الإمساء
مجبولة بالنار والإغراء.. »

والقصيدة على البحر الكامل ما عدا البيت الثالث، فقد جاء على بحر الرجز، وهو خطأ وقع فيه عدد كبير من الشعراء المتأخرين في أحيان كثيرة نتيجة لتقارب التفعيلات بين البحرين المذكورين وجوازاتهما.

وهو يخلص في هذه القصيدة إلى التعبير عن نفسية الشاب العربي، بشكل عام، والتي تفضل الجمال المقرون بالعفة والفضيلة، فيقول:

«فإذا الفضيلة في الجميلة أشرقت

يرقى الجمال إلى ذرى العلياء»

مما يؤكّد لنا إخلاص الشاعر وصدقه وعفويته وهو يطلق لقلمه العنان في رسم مشاعره أبياتاً تنضح بالجدة والابتكار ولا تخلو من إبداع وتفنن وتجدد. وقد لا يعوز أن نعرف أن صاحبها من منطقة عكار أو ما يشبهها نظراً لما ساد حقلها المعجمي من دلالات على جمال استوطن «الأودية» و«الشطآن» و«الجداول» و«الجبال» و«التلال» و«السهول» وغير ذلك من الجمال المتضوّع في عكار في كل صوب وناحية. ومثل ذلك نجده في غير قصيدة للشاعر ولا سيما في قصيدة «إليها» و«إلى من» و«مثل الغزال»، وغيرها.

والى الغزل الممزوج بالعذرية والمادية تترنح قصائد الشاعر محمد حبلص الذي فصل قصائده الغزلية عن الوطنيات والقوميات وجمعها في ديوان خاص بها وسمه «ترنيمة القلب». يقول من قصيدة بعنوان: «قوامك»:

«قوامكِ يسلب مني الهدى
أراه فأدرك أني له
لطيف، رهيف، جميل الخطى


ويدفع بي نحو مهوى الردى
أُشدُّ فأُصبح مستعبدا
تثير أنوثته الجلمدا.. »

وقد يتطرف إلى أبعد قليلاً في الوصف المادي وأثر الجمال الجسدي على النفس المتهالكة عليه، تماماً كما الأثر على العذري من البعد والهجر والنوى، وقد لا يكون ذلك مألوفاً في العقلية الشعرية العربية، التي عبر عنها رافع راية الحب المادي فيها عمر بن أبي ربيعة إذ قال: «… فإن كرهته فالسلام على أخرى» أما «القوام» فلا أحد يعتقد أنه يبعث على «الجنون» و«الضياع» و«الفناء» وما هو من قبيل ذلك.

وفي قصيدة أخرى يعود محمد حبلص ليُلبس القصيدة العذرية ثوبها العذري المعهود بألفاظ رصينة فخمة وجزلة، وبصور على غاية في الروعة والجِدّة والابتكار. يقول في قصيدة مطلعها:

«يا حبيباً عزَّ فانتقما
ليس لي ذنب أُلام به
أنت في قلبي الحياة كما

كم سبى روحي فما رحما
كي أرى في حبّك الألما
في شراييني غدوتَ دما»

وبهذا الانسياب الهادئ والرصين للصور.. يقول:

«إنني لقياك مرتقبٌ
نمط في الحبّ أرفضه

وكأني أرقب العدما
أن تكون الخصم والحكما»

وقد يستمد صوراً من الماضي أو من المفاهيم الشائعة ويضعها في قالب معاصر. كقوله:

«إن «لا» من فيكَ تذبحني
يا حبيبي، في دمي، عنتاً
قد سقاني الشوقُ أكؤسَه
كم تجاهلتَ ندائي ولم

في الهوى. هلاّ غدتْ نَعَما
قد أبحْتَ الأشهر الحرما
والجوى في مهجتي اضطرما
يخترقْ صوتي بكَ الصمما»

وهكذا رأينا كم في هذه القصيدة من عواطف مرهفة جاءت بدون تصنع، وكم فيها من تخيلات لم تكن جامحة بقدر ما ابتعدت عن الايغال في الرمزية المفرطة والتعقيد المبهم.

ولعل اللافت في ديوانه، هذه الثنائيات الحادة ما بين شعر حديث وآخر تقليدي، وما بين قصائد عذرية وأخرى مادية، فضلاً عن قصائد عديدة جاءت مزيجاً من النوعين معاً. وقد لا يتورع عن تحويل الغزل بإحداهن إلى هجاء لاذع في قصيدة أخرى. كقوله:

«أنتِ الغباء، رفضتِ المجد والأدبا
ولدتُ للحب لم أُولد لمارقة


وغرَّكِ الزخرف الوهميّ واعجبا
تأبى الجمال وترضى دونه رتبا»

ولعله لم يستطع التوفيق بين حبه الشخصي وميوله القومية، فقال لها:

«غنّاكِ قلبي زماناً صار منعدماً
عروبتي أُمتي أهوى مفاتنها



واليوم عاد يغني الأرض والعربا
فوحدها أمتي تبقى ليَ الأربا»

وقد يجعل من القصيدة نفسها معرضاً للفخر والتغزل بنفسه، كما هي أداة للتهجم عليها ونعتها بأوصاف توازي ما يحمله من غضب وسخط وربما حقد أيضاً.

كانت هذه أهم الخطوط العامة العريضة التي سارت في مجاريها نفحات العكاريين الغزليين بكل ما حملته من مشاعر وعواطف وأحاسيس. وهي نفحات جاءت لتؤكد بدورها، سلامة الطوية التي يحملها العكاري بكل ما فيها من طهارة في النفس وبراءة وعفوية وما بين هذا وذاك من إخلاص ووفاء وشهامة.

متفرقات أخرى:

إذا كنا قد جعلنا شعر العكاريين ينصب في مجريين عامين هما: الوطنيات والغزليات، فهذا لا يعني أنه لم يكن يجري بموازاتهما وعلى ضفافهما جداول أخرى من فنون الشعر وأغراضه. كالمدح والرثاء والتوسل وغير ذلك من قصائد المناسبات والمساجلات المتنوعة والمتعددة. غير أننا في هذه الأغراض لن نجد في عكار من اختص بها أو حتى من أكثر منها وأغزر. فبالكاد نعثر على قصيدة لهذا الشاعر أو ذاك في مثل هذه الأغراض والمنازع. كرثاء الشاعر محمد حبلص للإمام محمد مهدي شمس الدين بقوله:

«شمس العروبة، شمس الدين والنور
صعب علينا بقاء الليل محتشداً



لا تتركينا حيارى في الدياجير
في مسلك الركب صعب بعد تنوير»([11])

وهي قصيدة رائعة من حوالي عشرين بيتاً لا يعيبها سوى أن الشاعر بدأ بمخاطبة الفقيد «بشمس» وبقي يؤنثها في غير بيت من القصيدة.. أما المجاهد الشيخ أحمد ياسين فيرثيه بقصيدة حديثة حمّلها الكثير من الطاقات والايحاءات التي عبر عنها بالاستعارات والكنايات، وغير ذلك:

«نموت وقوفاً

نموت على صهوات الجياد

ولا نقعد…

نموت ولسنا نبالي

هو الموت في عرفنا مولد»

وإذا كان هذا الرثاء ممزوجاً بعواطف وطنية وقومية ودينية عامة، فإن رثاءه لوالده بدا فيه أكثر عاطفة وتفجعاً وتحسراً… جاء في مطلع هذه القصيدة:

«أيا راحلاً، فوق الأكف، مشيَّعاً
مشى الركب فانهلّت دموعي تحرّقاً
أبي قد تركتني ألوذ بغربتي


تمهل فإني لا أُطيق التفجعا
كما سحاب دائم ما تقطعا
جريحاً، حزيناً، شاكياً، متوجعا

وعلى هذا النحو من الحزن والكآبة لاحظنا كيف تحققت الوحدة التأليفية في القصيدة وكيف انسجم في أبياتها ومقاطعها الحقل الدلالي المعجمي بعد أن طغى عليها ما أصاب الشاعر من فراق، فلمسنا بوضوح صدق عواطفه التي انسابت بعفوية ودون تصنع أو استئذان..

أما في المدح، فقد عثرنا على قصيدة للدكتور مصطفى عبد الفتاح يتوجه فيها مادحاً الشاعر جبران نادر ومطلعها:

«جبران دوح باسقُ الأفنان
ندلي فنرشف من معين عطائه
إبداعه في الشعر ميزة نابغٍ



ملأ الزمان بشعره الفتان
يا للمعين! وكم روى ورواني
إحساسه شيء من الإدمان»

وبعد أن يهيل عليه ما استطاع من صفات النبوغ والشاعرية وسحر البيان ونخوة الفرسان.. يعود الشاعر ليراه مظلوماً في هذا النظام الذي لا يعرف عدلاً وإنصافاً:

«آن الأوان لينصفوك عدالة
فالظلم في هذي البلاد مزية


ومكانة ببرامج الشبان
والقهر من كل القلوب يداني»

ولعله القهر الذي يشعر به العكاري حتى وهو يمدح أو يرثي أو يتغزل.. وهو المعنى نفسه الذي نلمحه من وراء السطور أو من بين الكلمات والمعاني في مدح عبد الكريم حبلص للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، إذ يقول:

«في حقلنا المهجور سنبلة فريده

نبتت برغم البرد والنذر الرهيبه

شمخت بوجه الليل تمتشق الضحى

لتصدّ حرّ الصيف، والريح العنيده»

إلى أن يقول له مستبشراً:

«رحل الظلام بجنده

والكون يولد من جديد

ويلوح طيفك من بعيد

عيناك نافذتان في جُدُر السجون

ما زال في جسدي بقيّه

للحب للعشق الخصيب

ما زال صوتك والعِمامه

أملاً يشع في الدجى..»

والقصيدة طويلة تزخر بالكثير من الطاقات النفسية.. وقد لا يترك الشاعر فكرة أو إشارة تلامسان قيم الفروسية والبطولة وتخطران على باله.. إلا ويهيلهما على قائد المقاومة بأسلوب رمزي لا يخلو من إشراق وبلاغة وإبداع:

«وتظل يا «حسن» المسيرة، والمسارْ

يا شتلة التبغ المرابط في ثنيّات البذار

يا درة الشرق الجريحْ

يا فيض أحمد، والمسيحْ

يا منبر الإخصاب في الحقل الفصيحْ»

أما شعر التأمل والحكمة فقد برز فيه المطران أبيفانيوس زائد، بشكل لا يضاهيه أحد من العكاريين في هذا المضمار. على أن شعره في التأمل والحكمة غير منفصل عن شعره الديني بشكل عام. ففي قصائده نفحة إيمانية امتزج فيها التوسل والدعاء بالحكمة والتأمل ومدح السيد المسيح، عليه السلام. يقول في إحدى مقطوعاته:

«سوف تمضي مثل جسمي صورتي
إنما روحي ستبقى عندكم



أي شيء دام في مجرى الزمان
وهي للصورة نطق وبيان»

على أن تأملاته نابعة من المفاهيم الدينية وتندرج في إطارها كقوله:

«لا تمل مع كل ريح
واعتصم بالله حتى
مخافة الله تطيل العمر

واجتنب وعر الطريقْ
تتلافى كل ضيقْ
وتمنح البهجة والسرورا


وتغمر النفوس بالثمار

وتملأ القلب هدى ونورا»

ولعل المطران زائد، قصد قصداً إلى هذا الأسلوب السهل الذي لا يتمنع على فهم الناس جميعاً مهما تدنى مستواهم في الفهم والاستيعاب.. ومن ذلك قوله:

«زاد على زاد إلى أن تنتهي
فاعطف عليَّ ونجني يا خالقي
حتى أعود إلى سماك وألتقي

أيام أسفاري بيوم مماتي
مما يشوّه في الطريق حياتي
بالأهل والخلاّن في الجنّات »

واللافت للنظر أن يقوم الشاعر توفيق جرجس بربر وينبري متغنياً بالإسلام والقرآن مازجاً بين نظرته إلى الدين الإسلامي ومشاعره القومية فيقول:

«طالعت قرآن النبيّ فراقني
وعجبت كيف يجود فقر بلقع
هذا كتاب الله يأمر أهله
ويبث في الإسلام روح حضارة

ما فيه من سور ومن آيات
جود الربيع بأطيب النفحات
بالبر والتقوى وبالصدقات
عربية الأخلاق والنـزعات»

وفي قصيدة أخرى يلجأ إلى الإيجاز البليغ والإيحاء الرمزي والى كل ما استطاع من صور قديمة وحديثة وهو يمدح النبيّ محمداً قائلاً:

«خلَّفت للعرب يا باني حضارتهم
قرآنك الحق من آياته انبثقت
وحيٌ من الله ما أحلى تلاوته
وحيٌ تلقّفه الآذان صاغية
العرب خير الورى لا بدع إن ورثوا



إرثاً كمجدك معصوماً من العطب
رسالة الحب والأخلاق والأدب
كأن آياته ضرب من الضرب
كما تلقى شهيَّ الزاد ذو سغب
عن أشرف الخلق طرّاً أشرف الكتب»([12])

وهكذا نرى أن توفيق بربر كان قومياً عربياً بكل صفاء ونقاوة، على عروبته يقيس الأمور والأشياء من حوله، ومنها ينطلق محلّقاً في آفاق بعيدة عن الأطر الطائفية الضيقة أو الإقليمية العاجزة والفاشلة.

أما الشاعر المحامي جورج زيتونة فينهض إلى الحكمة وإلى التأمل في زوايا النفس وما قد تستطيعه ويعجز عنه الدهر. فيقول:

«ما هدّه الدهر لا يشفيه زهّار
ولا النطاسيُّ فوق الداء منجرد
النفس ليس سواها فيك شافية
أُريد يا نفس من دنياي آخرةً


النفس تشفي، ولا يشفيك عطّار
ولا دواء ولا قِير ولا قار
ما هدّمته عقاقير وأعمار
ما في ملامحها عيب ولا عار »([13])

أما الخوري نايف اسطفان فيتأمل في زوايا نفسه وحاله ولكن من زاوية مختلفة، فيقول:

«ودَّعت أمسي في رؤى مستقبلي
وتشتتت أفكار قلبي عندما
ثم يقول:



فسرتْ بنفسي حرقةٌ لا تنجلي
علِمَتْ بحملي يزدري بتحمّلي

ودّعتُ أمسي واتجهتُ إلى غدي
فشربت كأس اليأس قسراً عندما

فوجدت نفسي في الحياة بمفردي
أدركت أن العمر أفلت من يدي»([14])

فيجيبه عليها الدكتور مصطفى عبد الفتاح قائلاً:

«أنا لا أقول الشعر حباً بالكلام وبالكتابة

أنا لست ممن يكتبون طلاسماً فيها الغرابة

أنا قادم من ظلمة الكهف المكدّس بالتخلف والتزلف والتأفف..

والتوهن والتعفن

واهتراء النفس والأمل الممزّق والكآبة..» وللدكتور مصطفى عدة قصائد في الوصف، كوصفه لتواضع البنفسج والربيع، وسحر الفصول وغيرها، يقول في وصف الربيع:

«ترى في الربيع صفاوة الزرقاء
وتقيم أزهار الطبيعة عرسها

والبدر محتدماً بدون عناء
بروائع الألوان والأزياء »

وهكذا في لوحة متكاملة من الأوصاف والتشابيه التي التقط معظمها من مناطق عكار المتنوعة والمتعددة في أشكالها وألوانها وأنواعها، كما التقط بعضها مما كان يؤثر في صفات ومواصفات الشعراء القدامى في الوصف ثم عمد إلى إفراغها في قالب شعري جديد متماسك وعلى شيء من إبداع وابتكار وحسن أداء وتعبير.

والى مثل هذا الوصف ينهض جبران نادر فيقول:

«عصف النور بالظلام المرائي
ومشى موكب الربيع وئيداً
فعلى السهل شعلة من جمال
ومن الدوح زقزقات وزهر
زفَّ للأرض بشرى عرس عظيم

ماسحاً بالضياء وجه السماء
ناضر الكف من سخيّ العطاء
وعلى التلّ وثبة من غباء
وهتاف الأنداء للأنداء
عنه ضاقت مباسط الأمداء»

ولعل اللافت في هذه القصيدة هو كثرة الوجوه البلاغية فيها التي جاءت على تأنق هادئ وغير مفتعل ولاسيما احتشاد الاستعارات والتي بدورها انسابت موافقة لمقتضى الحال دون تزييف أو إسفاف. ناهيك عن بعض الصور والتخيلات التي انبسطت لها النفس في أبيات تتدلى كشلال إلى أعماق القارئ بلطف وهدوء وسكينة.

خــلاصــة:

من كل ما تقدم، نستطيع القول إن في عكار براعم شعرية ما تزال في بداية تفتحها وانطلاقها.. غير أنها بداية واعدة وفي مستقبل قريب إن شاء الله.

وهذه البراعم، كما رأينا، تنوعت في مشاربها ومناحيها، وإن كانت جميعاً ملتزمة بقاسم مشترك واحد يجمعها في بوتقة واحدة تقريباً من المشاعر والعواطف والأحاسيس. ولا غرو في ذلك، إذا كان المناخ الذي يرفرف في أجوائه خيال الشاعر وتصوراته هو مناخ مشدود إلى بيئة محكوم عليها بالإهمال والحرمان والاجحاف، وفي الوقت نفسه حباها الله بكل فتنة وسحر وجمال. وربما لهذا وذاك، كنا نرى أنفسنا أمام قصيدة عكارية واحدة، وكنا نلاحظ أن العكاري يئن لكل هم ويثور لكل قضية ومن جهة أخرى، فهو مرهف الحس والقريحة لالتقاط كل ما يبعث على الجهاد والحق والجمال والحرية وفضائل النفس ومكارم الأخلاق.

«انتهـــى»

د. محمود حمد سليمان (عكار العتيقة)


[1] – محمد حبلص: زئير العاصفة، ص 65.

[2] – محمد حبلص: المصدر نفسه، ص 38.

[3] – محمد حبلص: المصدر نفسه، ص 143.

[4] – محمد حبلص: قصائد متمردة، ص 13.

[5] – فهد إبراهيم، المصدر نفسه، ص 401.

[6] – المصدر السابق، ص 109.

[7] قصيدة نشرت في إحدى الصحف.

[8] حسن دندشي: المصدر نفسه، ص 18.

[9] فهد إبراهيم: عربي أنا، ص 436.

[10] مصطفى عبد الفتاح: المصدر نفسه، ص 123.

[11] محمد حبلص: المصدر نفسه، ص 135.

[12] شعراء النصارى العرب: المصدر السابق، ص 108.

[13] – انظر كتاب: عكار الثقافي، ص 90.

[14] – مصطفى عبد الفتاح: التوأم الثاني، ص 19.

شاهد أيضاً

امسية موسيقية في منيارة – عكار

قدمت فرقة “بيت الموسيقى” في جمعية النجدة الشعبية اللبنانية أمسية موسيقية من التقليد الموسيقي المشرقي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *