الرئيسية » مقالات » حول الدين والبيئة.. تحت سقف السراي الكبير
تلبية لدعوة كريمة شاركت في أعمال المؤتمر حول "الدين والبيئة" الذي أقيم في أحدى قاعات السرايا الحكومي الفسيحة تحت رعاية رئيس مجلس الوزراء السيد فؤاد السنيورة وحضوره. في الوقت ذاته كان قداسة بابا الكاثوليك بيوس السادس عشر يحجّ إلى القدس الشريف وبيت لحم والناصرة،

حول الدين والبيئة.. تحت سقف السراي الكبير

تلبية لدعوة كريمة شاركت في أعمال المؤتمر حول “الدين والبيئة” الذي أقيم في أحدى قاعات السرايا الحكومي الفسيحة تحت رعاية رئيس مجلس الوزراء السيد فؤاد السنيورة وحضوره. في الوقت ذاته كان قداسة بابا الكاثوليك بيوس السادس عشر يحجّ إلى القدس الشريف وبيت لحم والناصرة، ويلتقي قادة سياسيين وروحيين عرباً وإسرائيليين ويدعو إلى السماحة وقبول الآخر.

في الدين يتفق الجميع على أن الأديان في جوهرها هي عقائد ومعتقدات تستند في المقام الأول إلى ركائز أخلاقية يسير عليها المؤمنون في حياتنا اليومية وإن إختلفت درجات إيمانهم. فالدين معاملة، والإيمان مرهون بعمل الصالحات. كذلك البيئة، هي شأن أخلاقي بإمتياز تفكيراً وتدبيراً بالرغم من التفاوت في درجات الوعي لدى الناس. إذاً التزامنا الديني عامة لا يختلف عن إلتزامنا حماية البيئة بكل أبعادهما لأنهما يلتقيان بطبيعة الحال حول مسألة أساسيّة: توعية الإنسان عبر تنمية قدراته العقليّة وحثّه على ممارسات أخلاقية في تعامله مع أخيه الإنسان من دون تفرقة ولا تمييز، ودعوته إلى المحافظة على البيئة الطبيعية التي يعيش عليها ويتغذّى منها.

بمعنى آخر، هي رجاء صادق ودعوة ملحّة من أجل المحافظة على وجود الإنسان وإستمراره في العيش الكريم على هذه الأرض وحثه على إستغلال ثرواتها الطبيعية بشكل سليم. ويا ليت رجال الدين وما يملكون من علم وثروات يتفرغون لإرشاد الناس وحثهم على حماية البيئة. لأن الكيل قد طفح بعدما تحوّل الإنسان إلى شبه حيوان يستهلك كل ما يرمى إليه من أفكار وإجتهادات ومواد وآلات لا تحمل في طياتها سوى الهلاك والدمار والصراعات التي نعرف متى تبدأ لكننا لا نعرف متى تنتهي. وإنقسم الناس والمؤمنون اليوم بين فئة لوثت الدين والبيئة مع سابق تصور وتصميم وبشكل صارخ فاضح ومدمّر، وفئة تسعى بكل أُوتيت من إرادة وعزم وتصميم على تنقية الدين والبيئة من كل ما أصابهما من تلوّث فكري وسلوكي وبنيوي، منذ قرون مضت وإلى أن يتوقف هذا العبث بعقول الناس.

إن الأديان السماوية الموحّدة الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام قد نزلت وحطّت في منطقة مشتركة وإن إختلفت الأزمنة، كما تعترف بإبراهيم أباً ومرجعية لأنبيائها ورسلها. علمياً وتاريخياً إستقت القبائل اليهودية حتى تقوم وتتوحد مبادئها وسلوكياتها من نتاج الحضارات التي نشأت ونمت في المنطقة الواقعة ما بين نهري النيل والفرات ونادت وما زالت تنادي وتسعى إلى إنشاء مملكة تسيطر على هذه المنطقة المسماة اليوم الشرق الأوسط. والسيد المسيح “يسوع الناصري” جاء ليكمل لا لينقض. لكن الجماعات اليهودية رفضته رفضاً قاطعاً وصلبته حتى الرمق الأخير، لأنه جاء يقول أن مملكتي ليست من هذا العالم.. وأن الله الآب السماوي، أي رب العالمين، ليس مادة بل روحاً. وأخيراً جاء الإسلام ديناً جامعاً ليكمّل ما جاء من قبله ويختم. وبعيداً عن كل جدل عقيم وتناتش فكري وما ينتج عنهما من عصبيات بغيضة عمياء، يبدو لي كعلماني، أي مؤمن غير لاهوتي، أن الإسلام هو دين مدني عالمي علماني من ألفه إلى يائه إذا ما أُحسن تقديمه وشرحه وتطبيقه. يكفي الإسلام أنه نظّم هذه العلاقة الدقيقة بين الروح والمادة اللتان يتألف منهما الإنسان والحيوان والنبات.

بالطبع أنا هنا لست بمبشر ولا بداعية. إنما أنا مواطن لبناني عربي مسيحي مشرقي يؤمن بما بشّر به سيدي ومعلمي يسوع المسيح وما جاء من قبله.. وأيضاً ما جاء من بعده. أي أنني وجدت حلاً نهائياً لمعانات مزمنة مؤلمة لم يُعمل على حلها جدّياً. فالتسامح المتبادل ليس سوى هذا الإحترام المتبادل الذي يتحدثون عنه اليوم. والتسامح هنا لا يعني أبداً ضعفاً كما يعتقد البعض بل قوة ومناعة. ولنا في السيد المسيح أرفع مثال، وفي الإرشاد الرسولي أفضل التوجّهات. بمعنى آخر، على الجماعات اليهودية أن تتحوّل من جماعات منغلقة على ذاتها رافضة رفضاً قاطعاً لكل ما جاء بعدها، إلى جماعات منفتحة على العهد الجديد، أقلّه بهدف المصالحة مع الذات الإنسانية ومع العالم قاطبة. كذلك على الجماعات المسيحية أن تعمل على تطوير علاقاتها وتفاهماتها مع الجماعة المسلمة لرب العالمين الذين يقرّون بأن يسوع الناصري هو من روح الله وأن أمه العذراء مريم قد حبلت به من دون دنس.

عكّاريات

تتمتع عكار بواجهة حرجية متنوعة يبلغ طولها 22 كلم، هي الأهم في شرق المتوسط. تتعرض هذه الثروة الخضراء إلى الإبادة بفعل الحرائق خلال تسعة أشهر في السنة. وذلك بسبب غياب خطة واضحة للتوعية والوقاية والمعالجة. ولا نغالي إذا قلنا أن الدولة اللبنانية قد تخلّت عن دورها المسؤول في هذا المجال لصالح بعض المؤسسات الدولية المانحة وبعض الناشطين البيئيين. مطلوب إذاً إنشاء لجنة تنسيق ميداني ومراقبة دائمة بين مؤسسة الجيش والدفاع المدني والبلديات والجمعيات الناشطة في مجال المحافظة على البيئة تكون مهمتها الرصد عبر أبراج مراقبة والتدخل الفوري في عمليات مكافحة النيران معتمدة على الوسائل كافة من طوافات وسيارات إطفاء لنقل المياه وأكبر عدد ممكن من الأشخاص المدربين على إطفاء النيران التي لا ترحم أخضراً ولا يباساً. فلنبدأ بتوجيه نداء عالي النبرة إلى المجالس البلدية هذه “الحكومات المحليّة” بإمتياز والإتحادات إذا وُجدت، من أجل تفعيل دورها الأساس في مجال المحافظة على البيئة توعيةً وإرشاداً وتدريباً على المراقبة والتدخل السريع لمكافحة النيران. وذلك عبر تضامن وتكافل البلديات في ما بينها مناطقياً ومالياً وبشرياً، من أجل شراء سيارات إطفاء صغيرة تمتاز بسرعة الحركة وتدريب عناصر مشتركة تتمتع بروح تطوعيّة.

نذكّر بأنّنا في مؤسسة فارس نظّمنا منتصف أيلول 2001 مؤتمراً علمياً جامعاً حول أفضل السبل من أجل تنمية قطاع الزراعة في عكار، حيث هدفنا أولاً إلى تشجيع وتحفيز المزارعين في عكار على إنشاء تعاونيات زراعية في بلدات وقرى عكار كافة. لأن التعاونيات الزراعيّة والحرفيّة مع المجالس البلدية تشكّل مجتمعة القاعدة الفضلى التي عليها تنهض المجتمعات المحليّة وتنمو الأوطان وتزدهر. فهل يحتاج أهالي عكار الطيبين اليوم إلى إقامة مؤتمر حتى يبادروا إلى دعم بلدياتهم أو إنشاء جمعيات تعنى بالبيئة توعية وإرشاداً وتدريباً ؟  

 بقلم  فايز فارس 

 باحث وناشط في تنمية المجتمع المحلّي

شاهد أيضاً

في حزب سعادة.. حلقة ثانية: رئاسة الحزب

آمنا بسعاده الشارع وصاحب الدعوة وواضع أسس النهضة والزعيم والمعلم والهادي للأمة، وقام بمهمته خير قيام، لمدة 17 عاماً كان خلالها مثالاً وقدوة في القيادة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *